في الحانة

 

 

 

 

 

تعود كل يوم ان يجلس هناك ساعة او شبه ساعة, المكان متسع والوجوه مختلف طالعها ,ما بين حزين وكئيب ويائس وبائس لا مكان للسعادة عند كل هؤلاء لا وجود للراحة لديهم ,لو اطلعت على قلوبهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا .ربما كانت رائحة المكان اخر ما يهمه او يجود بخلده ,ربما لانه ألفها لم تعد تؤثر فيه,كما لم يعد يؤثر فيه ما يقدمه هنا من الثابت ولا من المتحرك ولا من الاصلي ولا من المصنع , لقد اصبح الجلوس هنا غاية في حد ذاته لا يهم بعدها ما سيقدم ربما بحكم العادة,وربما بحكم الالفة بينه وبين اصحاب المكان لهذا كان يمني النفس ويقفز على التعبير الصحيح, ان جلوسه هناك لم يكن بحكم الالفة ولا بحكم العادة, ولا حتى الاسترجاع ذكرياته معها, وانما كان بحكم الادمان .{بعد ان انهي هذا التكوين ساتخرج اطارا ساميا في الدولة براتب مجز, وحوافز وعلاوات ,استطيع ان اتقدم لخطبتك ,ستكونين زوجتي ,اوشكت ان انتهي ,سيكون عرسا لا كالاعراس …}كان هذا كلامه كل ما التقى بها, طبيعة  عمله كرجل سلطة,  جعلت منه رجلا جافا, لا يتقن لغه الغزل التي تحبها جل النساء .ومع ذلك كانت نصيرة تعشقه ,او هكذا بدت له, عندما تلتقي به كانت عيناها تشعان لمعانا وصفاءا ينم عن صفاء روحها وطهارة  قلبها .كان لباسها محتشما, ولو انها كانت مكشوفة  الراس… {عندما اتزوجها سوف الزمها ان تضع النقاب على راسها}, كلما راى كمال محبوبته الا وجال هذا الخاطر بخلده خاصة اذا راى ذلك الليل  البهيم الموضوع على راسها وخصلاته تتقاذفها هبات النسيم, كما لو كانت.. لم يجد وصفا مناسبا يصف به جمال شعرها خاصة,  وجسدها كله عامة,{ رحم الله ابي لو انه وجهني توجيها ادبيا لاستطعت ان اقول شعرا في محبوبتي }بينما هو قادم تجاه بيتها, لمحها تطل من شرفة  المنزل, راته فاشارت اليه وعلى غير العاد ة لوحت اليه بيدها ,كانت اشار ة غريبة ,اقرب الى التوديع منها الى الاستقبال. لقد تراكمت الديون على الوالد,وكثرت الشيكات مستحقة الدفع لصالح عبد الجبار. وهو امام خيارين, وبالاحرى انعدام خيارات ,اما ان يزوجه ابنته المخطوبة اصلا لكمال ,واما ان يتشرف بارتداء الاساور الرسمية, لعجزه عن الاداء فيزج به في السجن,   اذ ان املاكه كلها, حتى في حاله بيعها ,لن تكفي لسداد ما بذمته من ديون لعبد الجبار. كانت نصيرة كبش فداء والدها من السجن, وهو في اواخر ايامه ,وهي في مقتبل عمرها .نزعت خاتم الخطوبة  ورمته في وجه الحبيب, والقلب يعتصر الما ,طردته ولم يرها منذ اذ.صب كمال جام غضبه على من كان تحت امرته من جند ومواطنين, وهو الان مسؤول عسكري كبير, يعذب من يشاء ويعتقل من يشاء ,فلا حسيب ولا رقيب .يقضي بياض نهاره في مكتبه, وسواد ليله في هذا المكان الذي دخله اول مرة, يوم خرج مطرودا من بيت محبوبته ,املا ان يجد بعض السلوى او العزاء. ان الداخل الى هنا مفقود …لقد ادمن معاقرة  الخمر, يشرب افخر الانواع واكثرها تاثيرا دون جدوى .حاول كثيرا ان يحفر بما له من سلطة  ونفود حفرة  لصاحبه زوج حبيبته ,لكن سلطان المال اقوى من سلطان السلطان .ووجد كمال نفسه منقولا تاديبيا الى الحدود, يقضي ما تبقى له من {سربيس} بين العقارب والافاعي ونيران العدو.ومع ذلك لم يستطع ان ينساها. وقد مضت السنون,احيل على التقاعد فعاد الى مدينته والى حالته .جال كل ذلك الماضي الاليم بخلد كمال وهو يحتسي كاسا من الفودكا الفاخرة, واذا به وقد رفع راسه, يفاجأ, راى بقايا انسان لم يعرف منه الا صوته{ لله يا محسنون عفا الله عنكم} انه انه انه عبد الجبار ولا شك.{ ايه يا عبد الجبار؟} قالها كمال بشماتة  واضحة{ ما حال الدنيا معك واين هي نصيرة؟}  {هل تعرفني يا سيدي وهل تعرف المرحومة}. سقطت الكأس من يد الكمال انخلع قلبه لهول ما سمع .{اوماتت نصيرة؟}{  من أنت أولا ؟}{أنا حبيبها الذي نزعتها منه وارسلته الى الفيافي}. أمسك كمال بتلابيب عبد الجبار لحظة,ثم تمالك نفسه ,فاطلقه .{وكيف ماتت؟}.ازدهرت تجارة عبد الجبار بعد زواجه بنصيرة, فدخل عالم القمار والمخدرات ,فازدادت لفترة لا يعرف مداها تجارته ازدهارا قبل ان تهوي على راسه ,فخسر كل شيء وا ضطرت نصيرة ان تبيع كل ما ور ثته عن أبيها ,الذي مات بسكتة دماغية مباشرة,بعد عقد قرانها على عبد الجبار لتسديد ديون زوجها دون جدوى. اصيبت نصيرة بالسرطان بسبب افتقار زوجها ,لم تجد ثمن الدواء ,ويوما بعد يوم وساعة  تلو ساعة,كانت تذوب  كشمعة مشتعلة, الى ان خبت وماتت.لم يجد زوجها حتى ثمن الكفن .اختلطت الاحاسيس في صدر كمال ,بين حزنه على فقد محبوبته وشماته بمن سلبها منه.سكت هنيهة ثم اطلق ضحكة هستيرية كانت اخر كلامه من الدنيا  و سقط على ارض الحانة ميتا كأن لم يكن قط…